تكرار المأساة وذات الأيادي تعبث بعدن

رواها 360

علي عبدالمجيد الجوهري /عدن

أعلم أن كثيرين سمعوا بهذه الواقعة من قبل، لكني أذكّركم بها اليوم، لأن ما نعيشه الآن نسخة مكرّرة من تلك المسرحية القديمة.
نعم كل شيء يُعاد، بنفس الأبطال وبذات السيناريو الردي، كنت حاضراً اجتماع مجلس الوزراء المصغّر كمستشار مع أحد الوزراء الذي عقد حينها لبحث أزمة الكهرباء والوقود، يومها خرج الاجتماع بحلول واقعية ومنطقية كانت كفيلة بإنقاذ عدن من الظلام، لولا أن أُجهضت كالعادة بقرارٍ خارجي.

مقالات ذات صلة

المقترح جاء من رئيس الغرفة التجارية بعدن نيابةً عن مالك الشركة النفطية الإماراتية، بتوفير كامل احتياجات الكهرباء من الوقود بتموين شهري مؤمَّن لمدة شهرين، وبالسعر العالمي، وبدون أي شروط مهينة.
بل قال الرجل حرفيًا: “حباً لأهل عدن”.

في المقابل، كان بعض التجار المحليين يوردون شحنات صغيرة لا تتجاوز 20 ألف طن، ويطالبون بالسداد خلال 45 يومًا، ويشترطون إعفاءهم من الفوائد مقابل السماح لهم ببيع باقي الشحنة في السوق التجارية بأسعار فلكية!

وافق الوزراء جميعاً ، وكُلّف الأمين العام مطيع دماج بصياغة القرار ورفعه للاجتماع الوزاري القادم.
لكن — وكما جرت العادة — لم تكتمل فرحة عدن.

فما إن بلغ الخبر الشقيقة الكبرى، حتى تحرّك “المفوَّض السامي” في اليمن، السفير محمد آل جابر، وأصدر توجيهًا صريحًا بعدم مناقشة المقترح، واعداً بأن المملكة ستتكفّل بتزويد الكهرباء بالوقود كمنحة مجانية.
صدق الناس الوعد، واستبشروا، وغرقت المدينة في انتظار البواخر السعودية… تمامًا كما يحدث اليوم.

النتيجة؟
نفد الوقود، وأُطفئت المحطات، وغرقت عدن في عشرين ساعة من العتمة اليومية. خرج الناس للشارع، كان ذلك في رمضان، بينما كانت “المنحة” ما تزال قيد الوعود.
وصلت أخيرًا باخرة بخمسين ألف طن، وتشكّلت لجنة سعودية يرأسها وزير الكهرباء الحالي مانع بن يمين، فبدأت تكشف المستور: نهب منظم، وفساد من الداخل، وتلاعب بالوقود.
فتوقفت المنحة… وسُدل الستار.

واليوم؟
نفس المشهد، نفس الممثلين، نفس الأكاذيب.
الانطفاء تجاوز 24 ساعة، والمدينة تختنق، والناس يُرهقهم الانتظار لوهم جديد اسمه “المنحة القادمة”.

من يظن أن ما يجري صدفة فهو واهم؛ إنها سياسة تعذيب ممنهج، وخنق متعمد لعدن.
نحن أمام منظومة ترى في معاناة الناس وسيلة للسيطرة، وفي الظلام أداة للطاعة.

الأيام بيننا.. لكن التاريخ يسجّل من الذي أطفأ عدن عمدًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى